للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنقلها على المعنى، وابن خويز منداد منع من نقل الحديث على المعنى. والقاضي أبو محمد عبد الوهاب يضيف إلى مالك أنه يكره ذلك في حديث النبي عليه السلام، لأنه قال: أكره ذلك في حديث النبي عليه السلام، ولا أرى به بأسا في حديث الناس، وهذا تمسك به القاضي أبو محمد عبد الوهاب من لفظة الكراهية، وقد يتأولها من خالفه في النقل عن مالك، ويقول: قد وقع لمالك رضي الله عنه فيما لا يجوز لفظة الكراهية، فيقول: أكره كذا وكذا، وهو عنده من قبيل ما لا يجوز، فهذه المذاهب المشهورة في هذا الباب.

وأما الوجه الثالث وهو سبب الاختلاف، فاعلم أن المانعين لذلك تعلقوا بالكتاب والسنة والاستدلال.

فأما الكتاب فقوله تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)، فآيات الله هي القرآن، والحكمة هي السنة، وقد أمر الله سبحانه أن يذكرن نفس ما يتلى، وآيات الله إذا ذكرنها فإن تغيرها لا يحل، فكذلك ما عطف عليها وهي الحكمة المراد بها السنة.

ويجيب عن هذا الآخرون بأن عطف جملة على جملة لا يوجب تساويهما في الأحكام، وليس إذا منع نقل آيات الله بالمعنى وجب أن يمنع ذلك فيما عطف عليه، وليس في الآية تصريح بمنع النقل على المعنى، وإنما اشتملت على الأمر بأن يذكرن ما يتلى في بيوتهن، ومن ذكر معناه من غير تغيير فيه، فقد يسمى ذاكر له، وإن بدل بعض عباراته.

وأما السنة فقوله عليه السلام: "نضر الله أمرا سمع مقالتي فأداها كما سمعها، رب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه ... " الحديث، على ما رويت (...)، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مبالغة في التحضيض على نقل لفظه صلى الله عليه وسلم بصيغته وعبارته.

وأجاب الأولون (...) لأنها فيها خبر الواحد، وأيضا فإن الحديث محمول (ص ٢٤٠) على ما ليس بعالم، ولا واثق بنفسه في ضبط المعاني وحقائق العبارات عنها، ألا تراه يقول آخر الحديث: "فرب حامل فقه ليس بفقه"، إلى غير ذلك من الألفاظ التي أشار فيها صلى الله عليه وسلم إلى أن الناقل إذا غير لا يبعد أن يكون غالطا في تغييره، وإن نقل نفس ما سمع لعرف المنقول إليه غلطه.

<<  <   >  >>