وأما المسألة الرابعة (...)(ص ٣٦) بتقاسم لا يوثق بها، كالتقاسيم في علة صحة تعلق الرؤية وأوردنا فيه مقدار ما يليق بهذا الكتاب.
وأما النكتة الخامسة فإن أبا المعالي نوع التقسيم المنحصر الدائر بين الإثبات والنفي، إلى نوعين أحدهما يدركه العقل، ويعين مطلوبه في أحد القسمين، ومثل ذلك بأن تحرك الجسم المشاهد لا يخلو أن يكون عن مقتضٍ، فهذا يدرك العقل افتقاره إلى مقتض، والنوع الثاني لا يدركه العقل، ومثل ذلك بأن الإنسان يفكر في جوهر هل يصح تعرية عن اللون أم لا؟ فزعم أن العقل لا يدرك تعيين أحد القسمين، ولو امتد الفكر فيه أبد الآباد، ومن حاول قياسه على الأكوان فقد غلط، لا قياس في العقل، لكن إن كان الدليل الذي يصور في امتناع الخلو عن الأكوان يتصور في الألوان قضي به، وهذا الذي قاله شذ به عن الجماعة.
وسائر الأئمة مجمعون على خلاف ما قال، محيلون تعري الجواهر عن الألوان، نعم وعن غيرها من سائر الأعراض، وقد وافقتنا المعتزلة بصريهم وبغداديهم على هذه الإحالة بعد اتصاف الجوهر بالأعراض، وإنما خالفونا في جواز تعري الجوهر عن الاتصاف بالأعراض قبل أن يتصف بها، فقال جميعهم يجوز ذلك إلا في عرض واحد أبقوه، ليصح لهم الاستدلال على حدث الجوهر إذ المجيز لتعريها عن سائر الأعراض غير قادر على الاستدلال على حدث الأجسام لكنهم اختلفوا في هذا العرض فهل هو اللون، أو الكون؟
وقد كنا قدمنا قبل هذا مضايقة الأئمة في رد الغائب على الشاهد، وما ذكر معه من الأقسام حتى رددنا أبا المعالي إليهم فيما أظهره من الخلاف عليهم، وأشرنا إلى أن الدليل الذي قام على ارتباط حال العالمين بالعلم مطرد في القديم والحادث، كما أشار إليه أبو المعالي هاهنا، في طرد دليل الكون ولهذا نقول: إن الجوهر إنما قبل العرض لنفسه، فمحال أن توجد نفسه وهي غير قابلة للعرض، وهذا دليل مبسوط في كتب علم الكلام وهو مطرد في سائر الأعراض.
وأما النكتة السادسة فإن أبا المعالي أشار إلى غموض هذه التفرقة، وأكد في البحث عنها، وذكر أن الإنسان يحس من نفسه انقفال خاطره عن العلم المطلوب تبلدًا طبيعيًا، أو لعارض نفسي، أو غذائي، أو هوائي، أو لتحمله في التمادي في الفكرة فوق طاقته، وبين انقفاله لكون المطلوب منقفلا في نفسه، لا يتشوف فهم من الأفهام، وإن