استنارت ولطفت واحتدت إلى فتح انقفاله، وربما وقع في النفس تردد في هذا الانقفال هل هو راجع إلى البصر أو إلى المبصر، وهذا في البصائر كهو في الأبصار.
ألا ترى أن الإنسان يفرق في نفسه بين كونه قاصرا عن إدراك ما وراء الجدورات، ويعلم أن ذلك غير راجع إلى ضعف البصر الطبيعي، وبين كونه قاصرا عن إدراك خطوط يقرأها غيره، ولكنه كل بصره، أو رمد وقد يشك بصره أيضًا في خطوط هل هي مما تقرأ أو مما لا يقرأها أحد، فكذلك حال العقل والمعقولات، ومثل فيما لا يدرك من قبل المطلوب لا من قل الطالب العلم بحقيقة الإله، وما هو عليه من صفات الجلال والكمال.
وحاول هاهنا جمعا بين فئتين مختلفتين الإسلاميين والمتفلسفين، فزعم أن الإسلاميين يقولون في علة نفي الإحاطة بحقائق الإله أن ما يتصف به حادث موسم بحكم النهاية لا يدرك ما لا يتناهى، وأشار إلى أن الفلاسفة يحومون على هذا المعنى، ويعبرون عنه بعبارة مستنكرة عند الإسلاميين، لأنهم يقولون: هذا العالم الطبيعي، ويشيرون إلى هذه المركبات من الاستقصاءات، كالحيوان والمعادن والنبات، ويشيرون إلى عالم آخر وهو عالم الطبيعة كنفوس الأفلاك وغيرها من الروحانيات ويرون أن هذا العالم الطبيعي كالجزء، والعالم الذي وراءه عالم الكل، والعلم إحاطة بالمعلوم، فكما لا يحيط الأصغر بالأكبر، والجزء بالكل إحاطة مماسة، فكذلك لا يحيط إحاطة (...) إنما يحيط الأكبر بالأصغر، والكل بالجزء في الحس والمماسة، فكذلك في العقل، والإحاطة والاستحواذ سلطنة [كسلطنة] السلطان الأعلى على الأسفل، والأكبر على الأسفل والكل على الجزء، لا الأسفل على الأعلى ولا الأصغر على الأكبر، ويرون أن الجزئيات فاضت علينا من العقل الكلي، وإنما اختصصنا نحن بهذا الفيض دون غيرنا من الحيوان، (لكو ... انعت)(... ببا) لقبول هذا الفيض، ولكنه إنما يقبل من هذا الفيض بقدر ما يحتمل، والإحاطة (...)(ص ٣٧) هما لا يحتملها هذا المزاج الجزئي، فلا