التقريب والإرشاد وكتاب العمد يعتبران أول كتابين جمعًا مسائل أصول الفقه وفوائده.
فكتاب الباقلاني الذي بين أيدينا يعتبر أول كتاب مستوعب لجميع مباحث أصول الفقه. ويمتاز عن كتاب القاضي عبد الجبار - العمد - بخلوه عن قواعد المعتزلة الأصولية، بل وجه الباقلاني همه فيه إلى إبطال قواعد المعتزلة التي لها علاقة بأصول الفقه كالقول بالتحسين والتقبيح العقليين، ووجوب الأصلح على الله، وخلق العباد أفعالهم وغيرها.
كما أن أهمية الكتاب تكمن - أيضًا- في كون كل من جاء بعد الباقلاني من المتكلمين كان عالة عليه، لابُد وأن يزين كتابه بذكر أقوال الباقلاني.
فالعثور على كتاب "التقريب والإرشاد" - في نظري - يعتبر حدثًا مهمًا بالنسبة للمختصصين في علوم الشريعة عمومًا وأصول الفقه خصوصًا.
ولكل ما تقدم فالحاجة ماسة جدًا لإخراج الكتاب من سجنه في ثوب قشيب بعد سجن دام ما يزيد على عشرة قرون. ولا أظن أن هناك كتابًا في هذا الفن أحق بالإخراج والظهور منه، لأن الكتاب يمثل مدرسة خاصة في آرائه. واعتمد عليه من جاء بعده أكثر مما اعتقد هو على غيره، فآراؤه تتسم بالابتكار إجمالًا.
وأما أهمية تحقيق الكتاب فهي نفسها التي تدعو لتحقيق أي كتاب آخر. ومنها: التأكد من صحة ما عزي إليه من أقوال في كتب المتأخرين عنه، وخاصة أن أكثر من ينقل أقواله كان ينقلها بالواسطة اعتمادًا على كتاب إمام الحرمين "تلخيص التقريب" أو البرهان، أو كتب من سبقهم عمومًا. وقد يعتري الناقل الغفلة أو الوهم فينسب للباقلاني ما لم يقله،