ذهب جميع من أرخ لأصول الفقه خصوصًا وللتشريع عمومًا إلى أن أول من صنف في أصول الفقه هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي، حيث وضع كتابه المسمى بالرسالة من أجل توحيد الصفوف وإنهاء الفرقة وإحلال الألفة بين مدرسة الحديث ومدرسة الرأي في المشرق بطلب من الإمام عبد الرحمن بن مهدي، وقد أثمرت "الرسالة" فكانت هي البلسم الذي ضمد الجراح وشفا الصدور، فكانت هي المولود المبارك. ثم أردفها الشافعي - رحمه الله ببعض الكتب الأخرى في أصول الفقه كإبطال الاستحسان، واختلاف الحديث، وجماع العلم. وكل من جاء بعد الشافعي حاول أن يكمل المسيرة، ويتم ما بدأ به الشافعي إما بشرح وتوضيح ما احتوت عليه، أو التأليف في مباحث متفرقة في أصول الفقه، كما فعل عيسى بن أبان الحنفي حيث ألف حجية خبر الواحد، وحجية القياس. وبقي الأمر كذلك حتى وضع الجصاص أبو بكر أحمد بن علي الرازي كتابه الفصول مقدمة لكتابه أحكام القرآن، فجمع معظم مباحث أصول الفقه على طريقة الحنفية.
ويقول الزركشي في مقدمة البحر المحيط:"وجاء من بعد الشافعي فبينوا وأوضحوا وبسطوا وشرحوا حتى جاء القاضيان، قاضي السنة أبو بكر بن الطيب وقاضي المعتزلة عبد الجبار بن أحمد، فوسعا العبارات، وفكا الإشارات، وبينا الاجمال، ورفعا الأشكال". وقد ألف الأول عدة كتب كما تقدم في مصنفاته، وألف الثاني كتابه " العمد" وكتبًا أخرى. وكتاب