قد بينا فيما سلف أن الإباحة والأمر والنهي والسؤال والرغبة وغير ذلك من أقسام الكلام معان في النفس مختلفة الأجناس, وأنها لنفسها تتعلق بمتعلقاتها. ومن هو أمر وناه بها, ولمن هي أمر ونهي له من المكلفين, وبما هي أمر به ونهي عنه من اكتساب العباد, وكشفنا ذلك بما يغني عن رده, فإذا ثبت ذلك بطل قول من زعم أن شيئا مما ذكرنا من أقسام الكلام إنما يكون مفيدا لما هو مفيد له ومتعلق به بمواطأة ومواضعه على ذلك وإنما العبارات عن أقسام الكلام هي التي لا تكون مفيدة ودلالة على ما هي دلالة عليه إلا بالمواضعة والاتفاق, وهي التي تدخلها الحقيقة والمجاز وتصلح للتعبير بها عن أقسام الكلام المختلفة المتضادة وغير المتضادة, والتي تصلح أن تكون عبارة عن الخصوص الذي في النفس تارة وعن العموم أخرى. فهذا مما يجب ضبطه, ولا يسوغ لباغي تحصيل علم هذا الباب جهله.
وأما القائلون بأن الأمر والنهي وغيرهما من أقسام الكلام ليس بشيء غير هذه الأصوات من المعتزلة ومن وافقهم على ذلك من أهل الضلال والأهواء ومن لم يعتمد الدخول في بدعتهم من ناشئة الفقهاء الذين لا علم لهم بالكلام في