[فصل: ذكر الحجة على أن من الأفعال المنهي عنها ما قد يقع موقع المجزئ الصحيح.]
إن قال قائل: قد بينتم أكثر أدلتكم وإفساد علل مخالفيكم في هذا الباب على أنه قد وجد في الشرع أفعال محرمة منهي عنها، وهي مع ذلك صحيحة مجزئة يقع التمليك وإباحة التصرف بها كوقوعه بالصحيح المأمور به. فلم قلتم ذلك؟ وأي شيء فيه من هذا، مع علمكم بأن من أهل الظاهر وغيرهم من يزعم أنه لا شيء من الأفعال المحرمة المنهي عنها تقع موقع الصحيح المجزئ.
فيقال لهم: الذي يدل على فساد قول هذه الفرقة إجماع الأمة على أن من تضيق عليه وقت الصلاة حتى يكون فعلها بعد خروجه قضاء لا أداء عاصٍ بكل فعل يوقعه غير الصلاة ومخرج له منها. ومع هذا فلو أنه ترك الصلاة في ذلك الوقت في حال كون الإمام على المنبر بالعقد على مبيع أو عقد نكاح على امرأة أو شراء أمةٍ لكان بيعه ونكاحه وشراؤه صحيحًا جائزًا ماضيًا. يقع به التمليك وإباحة التصرف والاستمتاع بالزوجة والأمة. فإن قروا على أن هذا البيع والنكاح فاسد لا يقع به التمليك، فقد أطبقوا على أنه لو وطئ امرأته في حال تضيق فرض الصلاة ووجوب ترك الوطء بها لكان منهيًا عن ذلك نهي تحريم من حيث كان تركًا لفرض مضيق/ ص ٣١٣ ولكان وطؤه مع ذلك محللًا لها للزوج الأول. س وكذلك لو وطأها في أيام شهر رمضان عامدًا ذاكرًا للصيام لكان بالوطء عاصيًا أثمًا ولكان ما فعله محللًا للزوج الأول، وكذلك سبيل الوطء في الحيض في أنه وطء محرم، وهو مع ذلك محلل وحال محل الوطء المباح المأذون فيه عند أكثرهم. فإن لم يحلل الوطء في الحيض وفي رمضان بالوطء المتروك به الصلاة المضيق فرضها محلل لا شك فيه. وكذلك فلو أزال النجاسة بماء للغير مغصوب