اعلموا- رحمكم الله- أن جميع أحكام الدين المعلومة لا تنفك من ثلاثة أضرب:
فضرب منها، لا يصح أن يعلم إلا بالعقل دون السمع.
وضرب آخر، لا يصح أن يعلم عقلاً، بل لا يصح العلم به إلا من جهة السمع.
والضرب الثالث منها، يصح أن يعلم عقلاً وسمعاً.
فأما ما لا يصح أن يعلم إلا بالعقل دون السمع فنحو حدوث العالم وإثبات محدثه ووحدانيته، وما هو عليه من صفاته ونبوة رسله، وكل ما يتصل بهذه الجملة مما لا يتم العلم بالتوحيد والنبوة إلا به/ ص ٢٦ والدليل على ذلك أن السمع إنما هو كلام الله وقول من يعلم أنه رسول له وإجماع من خبر أنه لا يخطئ في قوله، ولن يصح أن يعرف أن القول قول لله، ولمن هو رسول له، وصدق من خبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن صوابه وصدقه إلا بعد معرفة الله تعالى، لأن العلم بأن القول قول له والرسول رسول له فرع للعلم به سبحانه، لأنه علم بكلامه وإرساله وصفة من صفاته، ومحال أن يعرف هذه الصفة لله من لا يعرف الله، كما أنه محال أن يعرف أن الكلام والرسول كلام ورسول لزيد من لا يعرف زيداً، فوجب أن يكون العلم بالله وبنبوة رسله معلوماً عقلاً قبل العلم بصحة السمع.