أن يكون تذكر النظر مولدا للعلم بما سبق النظر فيه من حيث اتفقنا على أنه لابد من حصول العلم عند تذكر النظر دون الجهل وغيره من الأجناس، ولما اتفقنا على فساد ذلك سقط ما استدلوا به. وإنما لم يمكنهم أن يقولوا إن تذكر النظر مولد للعلم, لاتفاقنا على أن تذكره هو العلم به بعد الذهاب عنه, وقد يكون العلم به والذكر له ضرورة من فعل الله تعالى, فلو ولد العلم لكان المتولد عنه من فعله عز وجل, وذلك باطل عندهم. وهذا واضح في أن ما أوجبوا به توليد النظر للعلم باطل لا أصل له.
فصل ⦗١٩⦘
فإن قال قائل: أفتقولون إن النظر الفاسد يتضمن الجهل والشك كما يتضمن الصحيح منه العلم؟
قيل له: لا, وإنما يفعل الجاهل والشاك والجهل والشك مبتدئا به, لا عن شيء تضمنه هو طريق له. ولو كان الفاسد من النظر, أو النظر في الشبهة طريقا للجهل لم يقع بعده الشك والظن، ولو كان طريقا للشك والظن لم يقع بعده الجهل, ولأنه قد ينظر العالم في الشبهة كما ينظر فيها الجاهل فلا يقع له الجهل, ولا يخرج عن العلم, وقد يقصد إلى إفساد النظر فيقع منه فاسدا كما يقع ممن لا يقصد ذلك فلا يتولد له جهل ولا شك, ولا يخرج به عن كونه عالما بحال المنظور فيه, فثبت أن صحيح النظر في الدلالة طريق للعلم وليست فاسدة, والنظر في الشبهة طريق للجهل والشك والظن وغلبة الظن.