للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبهذا- أيضا- يبطل قول من قال لو كان ذلك كذلك لوجب إّا كان المأمور به واحدا من ثلاثة أضداد أن يكون الأمر به نهيا عن ضده الثاني. وأن يكون النهي عن الضد الثاني أمرا بالثالث, وأنه يجب أن يكون الثالث من الأضداد مأمورا به بالنهي عن ضده, ومنهيا عنه بالأمر بفعل ضده, لأن هذا بعد ممن ظنه لأننا قد بينا أن الأمر بالشيء ليس بنهي عن ضد واحد من أضداده أو عن جملة منها. وإنما يجب أن يكون نهيا عن جميعها, فكيف يظن أنه نهي عن واحد منها دون الثالث له ضدان، أحدهما مأمور به والأمر به يوجب النهي عن الثالث, والآخر منهي عنه والنهي عنه يقتضي الأمر بالثالث. هذا كله فاسد، لأنه مبني على أن الأمر بالشيء نهي عن بعض أضداده. وليس الآمر على ما توهموه.

فصل: والذي يدل على أن الأمر بالشيء من كلام الله سبحانه خاصة هو نفس النهي عن ضده وغير ضده ما أقمناه من الأدلة على أن كلام الله سبحانه شيء واحد ليس بأشياء متغايرة. فوجبت فيه هذه القضية.

وما يدل على ذلك- أيضا- أنه إذا ثبت أن الآمر منا بالشيء يجب عند أمره به كونه ناهيا (عن ضده وتركه, ولو خرج عن كونه ناهيا) عن تركه لخرج عن كونه أمرا به, ولم يقم مع ذلك دليل يلجئ إلى جعل النهي عن ضد الشيء معنى غير الأمر به ومقترنا إليه, وجب لذلك أن يكون نفس الأمر بالشيء هو النهي عن ضده، كما أنه إذا وجب متى وجد الفعل للشيء أن يكون الفاعل له تاركا لضده. ومتى وجد كون الجسم في مكان وجب أن يكون مفرغا لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>