ومتى كان قريباً مما دنا منه كان بعيدا مما نأى عنه, وجب لذلك أن يكون القرب من الشيء هو نفس البعد عن غيره. وأن يكون الكون ⦗٢٢٨⦘ في المكان هو الخروج عن غيره, وأن يكون الفعل للشيء هو بعينه ترك لضده. هذا مستمر لا شبهة فيه. ولو أمكن أن يقال أن النهي عن الشيء معنى يقارن الأمر بضده وهو غيره من غير حجة توجب ذلك والحال ما ذكرنا لجاز أن يقال إن فعل الشيء غير ترك ضده. وأنه معنى يقارن الترك ضده. وكذلك الخروج عن المكان ليس هو نفس الكون في غيره ولكنه معنى يقارنه. ولما بطل هذا بطل ما قالوه.
وبهذه الطريقة يعلم أن هو هلة للحكم فهو وحده علته دون معنى يقارنه, لأننا إذا كنا قد علمنا أنه متى وجدت القدرة وجب كون القادر قادرا. ولو عدمت لخرج بعدمها عن هذا الحكم, ولم يقم مع ذلك دليل يلجئ إلى كونه قادرا لمعنى يقارن القدرة يجب وجوده عند وجودها وعدمه عند عدمها وجب أن يكون وحدها هي العلة في كون القادر قادرا, وهذه طريقة مستمرة، فصح ما قلناه.
ويدل على ذلك- أيضا- إنه لو كان للأمر بالشيء معنى غير النهي عن ضده لم يخل من أحد ثلاثة أمور: أما أن يكون مثل الأمر به أو ضده أو خلافه وليس بضده.
فإن كان مثله استغنى الأمر به عن نهي عن ضد هو مثله ومن جنسه أو خلافه, لأن مثله ساد مسده ونائب منابه.