كان الباقلاني - رحمه الله - رجلًا عالي الهمة، واسع الاطلاع، سريع الخاطر، حاضر البديهة، قوى الذاكرة، مهيبًا، معروفًا بالورع والتدين، والحياة الجادة الهادفة، فلم ينغمس فيما انغمس فيه غيره من رجال دولة بني بويه من ترف ومجون، بالرغم من اتصاله ببلاط عضد الدولة وابنه صمصام الدولة. وسنذكر ما يدلل على اتصافه بهذه الصفات من كتب التأريخ والتراجم:
١ - علو همته وشدة اعتزازه بنفسه:
روى القاضي عياض في ترتيب المدارك من لفظ القاضي الباقلاني حادثة شخوصه لمجلس عضد الدولة فيقول القاضي الباقلاني:"دخلت على الملك والناس قد اجتمعوا والملك قاعد على سرير، وبين غلمان بأيديهم السيوف المحلاة، وعن يمينه ويساره مراتب، وما عن يمينه خالٍ، لا يقعد هناك إلا وزير أو ملك، فكرهت أن أقعد بآخر الناس للمذلة، فمضيت وقعدت عن يمينه بحذاء قاضي القضاة عن يساره. فنظر الملك إلى قاضي القضاة نظرًا منكرًا. ولم يكن في المجلس من يعرفني إلا واحدًا. وقد فزعوا لفعلتي وجنايتي. فقال لقاضي القضاة: هذا الرجل الذي طلبه الملك من البصرة، فأعلم الملك بذلك، والتفت إلى، وأومأ بعينه إلى الحجاب فصاروا عني".