بها أو الشهوة لها أو النفور عنها, ولا شيء وراء ذلك إلا ما قلناه من حكم الله تعالى فيها بالحسن والقبح وإيجابه مدح الفاعل لبعضها وتعظيمه وذم الفاعل لبعض آخر, واحتقاره وانتقاصه فوجب إيقافه على ما أوضحناه سالفًا, وإذا ثبتت هذه الجملة ثبت أنه لا أحد من الخلق يلزم امتثال أمره, من حيث كان أمرًا به أو الكف عن الفعل من حيث كان ناهيًا عنه أو الندب إليه من حيث رغب فيه وندب إليه, وإنما يجب من طاعة الخلق كالنبي والإمام والوالد والسيد والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وغير هؤلاء ما أوجبه الله تعالى وألزم فعله, فهذا مما يجب الوقوف عليه, وجملة هذا أن الطاعة إنما تجب في الحقيقة بالإقدام على الفعل أو الكف عنه للخالق الذي تجب عبادته والتعظيم له بالعبادة على وجه لا يستحقه الخلق, وهذا التعظيم له بالطاعة إنما هو اعتقاد المطيع أنه طائع بفعله لمن خلقه ورزقه, ومن هو قادر على إحيائه وإماتته وتجديد الإنعام وكشف الضر والبلوى, وذلك أجمع مما ينفرد الله تعالى به دون سائر خلقه.
[فصل آخر يجب علمه]
اعلموا أننا قد بينا فيما سلف أن الأمر لم يوضع في اللغة لإفادة حسن المأمور به أو قبحه, وكذلك النهي, وإنما وضع الأمر لاقتضاء الفعل والنهي لاقتضاء اجتنابه فقط, وهل ذلك حسن أو قبيح موقوف على الدليل/ ص ١٦١ ونبين هذا ونوضحه بأننا نعلم من حال الآمر من أهل اللغة أنه قد يأمر بالظلم والعدوان والجور والفساد ويلزمه ويعاقب على تركه ويضطر إلى قصده إلزام ذلك, ثم لا يجب أن يفيد إيجابه له وأمره به حسن المأمور به, وكذلك فقد نعلم نهي السلطان الجائر عن العدل والإنصاف ورد الحقوق وإقامة الفروض ويضطر أحيانًا إلى قصده إلى إلزام الكف عن ذلك, ثم لا يفيد نهيه عنه قبح المنهي عنه, بل قد علمنا حسنه ووجوبه بأمر الله تعالى به, وقد يأمر الآمر منهم بالحسن