نقل القاضي عياض في ترتيب المدارك عن علي بن محمد الحنائي قوله:"إن القاضي كان يهم أن يختصر ما يصنفه، فلا يقدر لسعة علمه وحفظه، وما صنف أحد كلامًا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين غير أبي بكر، فإن جميع ما يذكره من حفظه".
ونقل عن الخطيب البغدادي أنه ذكر في تاريخه:"كان الباقلاني كل ليلة إذا صلى العشاء وقضى ورده، وضع الدواة بين يديه، وكتب خمسًا وثلاثين ورقة تصنيفًا من حفظه، فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه ليلته وأمر بقراءته عليه، وأملى عليه الزيادات فيه".
فعالم هذه حاله أصبح علمه ي صدره، ووهبه الله من دقة الفهم وقوة البيان ونبوع الاستنباط قلما يشير فيما يؤلفه إلى مصادر معلوماته، لأنها أصبحت محفوظة في صدره، لا يرجع عند تأليفه كتبه إلى تلك المصادر. فهي كالمادة الخام يصنعها ويصقلها وينقحها فيخرجها بكرًا.
ثم إن الباقلاني المتوفي سنة ٤٠٣ هـ. لم يتقدم عليه من فرسان فن أصول الفقه إلا اليسير. فبعد أول مدونٍ لعلم أصول الفقه - الشافعي رحمه الله - اقتصر طائفة ممن صنف في أصول الفقه إما على شرح الرسالة، أو