نجد شيئًا منها يوجب العمل بموجب أحدهما - وقد فرض علينا العمل بموجب واحد منهما - لم يبق وراء ذلك إلا تخيير العالم في العمل بموجب أيهما شاء، وصار في ذلك بمنزلة المخير في الكفارات وبمثابة المجتهد المخير في إلحاق الفرع بأي الأصلين شاء إذا تكافأ وتقاوم اجتذابهما له على حد سواء، إذ لم يعرف أيهما المتقدم الثابت الحكم، ولا أنهما وردا معًا على جهة البيان بحكم العام، وإنما المراد به الخاص، هذا ما لابد منه، لأنه لا يمكن القطع على فرض العمل بأحدهما والحال هذه، وكما صح أن يبتدئ بتعبدنا بالتخيير في ذلك، صح أن يُفقدنا طريق العلم بالتاريخ، ويخبرنا بالعمل بموجب أحدهما. وسنشبع القول في هذا الفصل في فصول القول في القياس وكتاب الاجتهاد إن شاء الله.
فصل: فإن قيل: فما تقولون إن فرض الله علينا العمل بموجب أحدهما بعينه دون الآخر.
قيل: إذا وجب ذلك علينا لم يكن بُدٌ من أن يجعل الله سبحانه لنا سبيلًا إلى معرفة الناسخ منهما، وأن تؤمن الدواعي على نقل تاريخه حتى لا يندرس ويهي، بل يبلغ على وجه تقوم به الحجة، ويلزمنا المصير إلى متضمنه، هذا أيضًا لابد منه.
فصل آخر من القول في حكمهما.
واعلموا وفقكم الله أن الأوامر والنواهي والأخبار عن العبادات المتعارض ظاهرها يرد على ثلاثة أضرب.