توهم وجوز تقييد المطلق لكون ما هو من جنسه مقيدًا، لأن البعض منهم يجوز الخطأ عليه. وهو ممتنع في جميعهم، ولا يقطع أيضًا على ما لأجله قيدوا المطلق المتفق على تقييده. وقد يتفقون على تقييده بطرق مختلفة فدعواهم الإجماع في هذا بعيد جدًا.
فصل: واستدلوا - أيضًا - على صحة قولهم بأن القرآن بأسره بمنزلة كلمة واحدة. فإذا قيد الحكم في موضع تقيد أمثاله في غيره، وإن تعلق بغير سببه، وهذا أبعد من الأول.
فيقال لهم: لم قلتم هذا؟ والله سبحانه يقول: إنه كلمات وقصص وسير وأحكام وآداب وأمثال، وفيه نفل وفرض، وحلال وحرام وإباحة وحظر، وخاص وعام، ومطلق ومقيد، ومجمل ومفسر، وظاهر ومكنى، ونطق وفحوى، ولحن ودليل خطاب عند مثبتيه إلى غير ذلك من الأقسام التي بدأنا بذكرها. وكيف يكون هذا أجمع/ بمثابة كلمة واحدة.
ثم يقال لهم: فلو قال لهم لأجل نتبين ما قلتم فيجب جعل المقيد مطلقًا، لأنه بمثابة المطلق، وجعل جميع العمومات مخصوصة لأن منه مخصوص، وجميع الأوامر على الندب، لأن منها ندب، وجميعها على الفور أو التراخي، لأن فيها كذلك، وجميعها ناسخ غير منسوخ، أو منسوخ غير ناسخ، لأن من أي القرآن كذلك هل كان في هذا إلا بمثابتكم، وإذا لم يجب هذا أجمع سقط ما قلتم.
فإن زعموا أنهم أرادوا بذلك أن الحكم الواحد المتعلق بسبب واحد إذا أطلق تارة وقيد أخرى وجب القضاء بإطلاقه.
قيل: هذا مسلم، فلم يجب ذلك إذا كانا حكمين متعلقين بسببين مختلفين، ولا شبهة لهم في ذلك.