فإن قالوا: فيجب على ما أصلتم أن تكون الإدراكات التوصل بها إلى علم حقائق المدركات والفصل بين صفاتها دليلاً للمدركات على العلم بها.
قيل له: لا يجب ما قلته من وجهين:
أحدهما: أبدا قد شرطنا في الحد أنه الدليل الذي يتوصل بمعرفته وصحيح النظر فيه إلى فعل العلم بما هو دليل عليه، والادراكات لا نظر للمدرك فيها، ولا هي- أيضا - مما يتوصل بها إلى فعل العلم بالمدرك، لأن العلم به ضرورة مبتدأ من فعل الله عز وجل دون المدرك فزال الاعتراض.
والوجه الآخر: إن الادراكات عندنا علم ضروري بالمدرك، وليست بطرق للعلوم، فسقط ما قاله المعترض.
ومما يدل على أن البيان معنى غير التبيين الذي هو العلم بالشيء قول أهل اللغة فيمن دل غيره على الشيء وبينه له هذا بيان منك لفلان. وعلى هذا قال الله سبحانه {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} فقد علم أن القرآن ليس بعلم لأحد، وأن المبين لغيره بالقول وما يقدم مقامه ليس بعلم لمن بين له، فبطل ما قالوه.
وقد تكلمنا على ما قاله الشافعي رحمه الله من أن البيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة الفروع. وأقل ما فيه أن يكون بيانا لمن يدل بلسانه في الكتاب الكبير بما يغني النظار فيه.