به لوجد بيانه واردا من جهة الآحاد, وإن كانت الأمة قد قبلته وعملت به في ذلك.
ويدل على صحة ما قلناه- أيضا- إنه لا يمتنع أن يكون الأصح للنبي عليه السلام وأمته وكثير منهم تعبدهم في كثير مما تعم البلوى به بالعمل دون العلم, وأنه لو كلفهم العلم والعمل به لم يطيعوا فيه ولا في غيره, فيقتصر بهم على وجوب العمل دون العلم.
فإن قيل: فقد وجدنا تعبدهم في كثير مما تعم البلوى به بالعلم والعمل.
قيل: ما أنكرنا ذلك, فإذا كان ذلك مراده في تلك العبادة أو كان هو المصلحة لهم فيها على قول باني التكليف على المصالح فلا يقدح فيما قلناه. ويدل على ذلك ورود التعبد بالاجتهاد في القبلة عند غيبتها والقياس على جهتها, وإن كان التوجه إليها مما يعم فرضه. وإنما تصيرون في التوجه إليها عند الاجتهاد إلى غلبة الظن دون العلم, فصح بذلك ما قلناه.
وليس لهم الانفصال من هذا بأن يقولوا إنه إنما ساغ ذلك، لأنه لا طريق عند التباس جهتها يوجب العلم فيؤمر به, وله سبحانه طريق? إلى إعلامنا يخصص العام وما تعم به البلوى من أحكام المحمل فلم يجزأن يقتصر في بناء ذلك على ما يقتضي غلبة الظن دون العلم, لأن هذا الاعتلال إن كان صحيحا لم يجز أن يتعبدنا بأن نصير إلى موجب أخبار الآحاد والقياس ابتداء فيما تعم البلوى به. وفيما لا تعم, لأنه سبحانه قادر على أن يبين لنا جميع ذلك بطريق يوجب العلم والقطع.
وقد اعتل بهذا الذي قالوه منكرو العمل بأخبار الآحاد والقياس في الأحكام. وقالوا لا يجوز الاقتصار بناء على أدون البيانين مع قدرته على أعلاهما, ولما لم يجب ذلك من قولنا وقولهم بطل ما فصلوا به, وصح ما قلناه.