فإن قال قائل, فإذا صح عندكم ورود السمع بالأخبار عن هذه الأحكام العقلية وكونه طريقًا إلى العلم بها أو إلى تأكيد العلم بها كما يصح أن يعلم عقلًا, فلم قلتم هي عقلية دون أن تقولوا هي أحكام شرعية أو تقولوا هي عقلية شرعية لحصول العلم بها من الطريقتين؟
يقال له, أما من قال لا تعلم أحكامها هذه بالسمع, وإنما يجب أن تعلم عقلًا, وإنما يرد السمع بتأكيد أدلة العقل فقد يسقط عنه هذا الإلزام, لأنه يجعل معنى هذه الإضافة إلى ما يعلم الحكم به, وإن لم يكن بسمع, وإذا لم يقل ذلك, قلنا: إنما وجه إضافتها إلى العقل دون السمع أمران:
أحدهما: إنها أحكام معلومة بالعقل قبل ورود السمع, ولو لم يرد سمع أصلًا لكانت إضافتها لذلك إلى العقل أولى.
والوجه الآخر: إنها تعلم بالعقل لو لم يرد السمع, ولا يصح أن تعلم بالسمع لو لم تثبت بالعقل, فصارت إضافتها لأجل ذلك إلى العقل أولى.
فأما قول المطالب فهلا قلتم إنها شرعية عقلية, فإن أراد به أنها لا تعلم إلا باقتران العقل والسمع أو بكل واحد منهما وإن لم يحصل الآخر, فذلك باطل, لأنها تعلم وإن لم يقترنا وتعلم بمجرد العقل لو فرض عدم السمع, ولا يصح أن تعلم بالسمع لو فرض عدم العقل.