الضرورية أنها علوم كسبية, وهذا ما لا فصل فيه.
فإن قالوا: إنما ينفصل قولنا من قولكم باتفاقنا على أن كل عاقل يعلم حسن ما قلناه وقبحه, ولو كان ذلك معلومًا بنظر لاختلف العقلاء فيه, وهذا علامة كون العلم بالشيء معلومًا ضرورة, وهو أن لا يختلف العقلاء في العلم به.
يقال لهم: متى سلم لكم أن جميع العقلاء ممن علم صحة السمع وأقر به, ومن جهله وأنكره من الملحدة وغيرهم, يعلم حسن حسن وقبح قبيح من الأفعال, وهؤلاء جميعًا أعني من جهل السمع غير عالمين عندنا بقبح فعل ولا بحسنه وإن اعتقدوا ذلك من غير جهة العلم, وإذا لم يسلم ذلك بطل ما قالوه.
فإن قالوا: أردنا اعتقاد جميع العقلاء كذلك, لا العلم به.
قيل لهم: ولم قلتم إنه إذا أجمع جميع العقلاء على اعتقاد شيء وبعضهم عالم به, وبعضهم غير عالم به وجب أن يدل ذلك على أن العلم بذلك الشيء ضرورة, وإنما يعلمه منهم من استطرق إليه بطريقة دون من اعتقده ظنًا وتقليدًا, فلا يجدون إلى تصحيح دعواهم هذه طريقًا.
ويقال لهم: نحن لا نعلم أن جميع العقلاء يعتقدون حسن ما ادعيتم وقبحه, فلا وجه لدعواكم هذه.
ويقال لهم: فقد اعتقد جميع أهل الملل, وكل من خالف الدهرية إثبات الصانع وحدوث العالم, واعتقد جميع مثبتي النبوات من أهل كل ملة صحة بعثة الرسل وصدقهم, وببعضهم يثبت التواتر, فيجب أن يستدلوا