واعلموا - وفقكم الله - أن هذا القول خلاف على جميع سلف الأمة، وهو قول شذوذ منهم، وقليل من كثير أحدثوا خلافًا بعد الإجماع غير معتدٍ به، وجميع ما قدمناه من آي القرآن التي أخبرنا الله فيها إنه أنزله بلسان عربي مبين أوضح دليل على فساد قولهم.
وقد دل على ذلك - أيضًا - قوله تعالى:{وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًا لِّتُنذِرُ أُمَّ القُرَى ومَنْ حَوْلَهَا}. ودل عليه - أيضًا - قوله تعالى بلسانهم. وقوله تعالى:{فَإنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ومن أوضح ما يدل عليه قوله تعالى: {ولَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ} أي بلسانين عربي وأعجمي، فهلا كان بلسان واحد فيكون أبلغ في الآية، ولئلا يقولوا هذا/ ص ١٠٨ ويقولوا إن منزله ومورده عجز عن إيراده ونظمه على هذا الحد من البلاغة بلسان واحد، وأنه محتاج في ترتيبه والكشف عن معناه إلى الاستعانة بلسان العجم، ولو كان عالمًا بوجوه النظم وكثرة الاتساع والانبساط والقدرة على نظم اللسان العربي لما احتاج إلى خلطه والاستعانة في نظمه بلسان أعجمي، فيكون ذلك شبهة لهم في القدح في إعجاز القرآن، وأخبر تعالى أنه منزل بلسان واحد،