والذي يدل على صحة ما قلناه وفساد قوله علم كل عاقل مخاطبٍ من نفسه، بأنه يصح قصده بقوله:"لا تنكح ما نكح أبوك" إلى نهيه عن العقد وعن الوطء جميعًا من غير تكرار اللفظ، والقصد بالقول قد نهيتك عن مسيس النساء إلى النهي عن اللمس باليد وعن الوطء جميعًا، والقصد بقولنا للمرأة تربصي بنفسك ثلاثة قروء إلى الأمر بالتربص زمن الحيض المعتاد وزمن الطهر، وأن القصد إلى ذلك غير متضاد ولا مستحيل، فمن ادعى امتناع ذلك وقال ما يدفعه الوجود.
ويقال: لمن قال ذلك لم أنكرت القصد بما يجري مجرى ذلك من القول إلى معنيين مختلفين:
فإن قال: لأجل تعذر وجود القصد إلى ذلك. فقد بينا أن الذي نجده من صحته خلاف دعواه، فبطل اعتلاله بهذا.
وقد اعتل - أيضًا - لصحة قوله بأنه لو جاز ذلك صح أن يراد بالقول "إفعل" الإباحة والزجر والإيجاب والندب، وهذا باطل من التعلق، لأنه إنما استحال ذلك لأجل تضاد كل أمرين من هذا. وعلمنا باستحالة القصد إليهما، وكذلك القول فيما يتضمنه القول: أي شيء يُحسن زيدٌ؟.
واستدل - أيضًا - على ذلك بأنه لو جاز ما قلناه لجاز أن يريد بقوله:"اقتلوا المشركين" المشركين والمؤمنين، وبقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} الناس والبهائم، وهذا جهل من الاعتلال، لأنه إنما يصح أن يراد باللفظ ما يصح أن يجري عليه من المعنى في حقيقة أو مجاز إذا لم يكن متضادًا. واسم الناس لا يجري على البهائم في حقيقة ولا مجاز، فسقط