أحدهما: إنه لا يجب أن يأمره إلا ببلاغ ما فيه صلاح المكلفين، بل قد يكون منه ما هو صلاح لهم، ومنه ما فيه عطب وهلاك لهم، ومنهم المهتدي بالتكليف، ومنهم الضال به.
والوجه الآخر: أنه قد يجوز أن يكون في حكمة الله تعالى منعه المكلف من فعل ما أمره بإيقاعه في المستقبل من نبي وغيره بالموت تارة، وبالعجز أخرى، بالعوارض التي تزيل الأمر به، وبالنسخ للأمر به قبل وقته، وكل ذلك حق وصواب في حكمته وتدبيره، على ما سنذكره ونبينه في فصول القول في النسخ إن شاء الله.
فأما اختفاء النبي صلى الله عليه وسلم في الغار حين أراد الهجرة فإنه كان منه صلى الله عليه وسلم بعد بلاغه بمكة السنين الطوال وصدعه بما أمر واحتمال ضروب المكاره والضيم منهم حتى لو مات قبل اختفائه في الغار لم يكن قد بقي عليه شيء من فرض الأداء والبلاغ المزيح لعللهم والمقيم للحجة البالغة عليهم.