والندب من الأوامر, كما أن رتبة الندب منها رتبة الإيجاب, وإن كانا أمرين. وربما وقع الخلاف معه في العبارة, ولا طائل في النزاع فيها. وربما وقع في معنى.
فالخلاف في العبارة أن يقال: معنى أن المباح مأمور به أنه مأذون في فعله ومطلق ومحلل له ذلك ومدلول من جهة السمع على أن له فعله وله تركه, وأنه وتركه المباح سيان لا ثواب ولا عقاب عليهما. فإن أريد ذلك فهو اتفاق على المعنى وخلاف في العبارة
فأما الخلاف في المعنى فهو أن يقول القائل بذلك?: ص ١٢ إن الإباحة للفعل اقتضاء له ومطالبة به على جهة الإيجاب أو الندب, وأنها نهي عن ترك المباح, وأن فعل المباح خير من تركه الجاري مجراه, وهذا باطل.
والذي يدل على بطلانه علم كل عاقل رمن نفسه الفصل بين كونه إذنا مطلقا لعبده ومن تلزمه طاعته في الفعل, وبين أمره به واقتضائه له ونهيه غن تركه, كما يفصل بين أمره به ونهيه عنه وتوسعته وتضييقه, وإذا كان كذلك بطل ما قالوه.
ومما يدل على ذلك أيضا أن مقتضى الإباحة تعليق المباح: بمسبب المأذون له في الفعل وبمعنى القول له إفعله إن شئت, ومن حق الآمر بالفعل أن يكون اقتضاء له ومطالبة به, ونهيا عن تركه على وجه ما هو أمر به على ما نبينه من بعد, فافترق لذلك حال الإباحة والأمر.