للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال لهم: ما ذكرتموه نفس الدعوى وحكاية المذهب فقط, فدلوا عليه إن كنتم قادرين, فإننا غير مسلمين لشيء مما وصفتم, وما يفهم أهل اللغة والشرع وجوب أمر الآمر بمطلقه, ولا يستحق عندهم على أحد من المأمورين في اللغة والشرع ذمًا ولا عقابًا ولا وصفًا بالعصيان بترك مجرد الأمر, وإنما يستحق ذلك عليه, إذا علم أن أمره على الوجوب المضيق, فدلوا على هذه الدعوى, ولسنا ننكر أن يفهم المأمور وجوب الأمر بعادة وأسباب يخرج عليها الخطاب, وعهد بين الآمر والمأمور, وأسباب تقترن بالخطاب يعلمها المشاهد لها عند مشاهدته, وليس مما يمكن تحديدها بالذكر والوصف, وإنما يعلمها المشاهد لها على قدر مشاهدته.

فأما اعتمادهم على وجوب تسمية مخالف موجب الأمر, عاصيًا, وأنه اسم ذم, ولا يستحق الذم إلا على ترك واجب, فإنه - أيضًا - دعوى باطلة, لأنهم لا يسمون مخالف الأمر عاصيًا حتى يعلموا أنه خالف أمرًا واجبًا لازمًا بما يقارنه من الأدلة, فأما بمخالفة مجردة فلا, وكذلك لم يصفوا تارك الندب بأنه عاص لما لم يكن الأمر به على الوجوب, فبطل ما قالوه.

وشيء آخر وهو أن وصف العاصي بأنه عاص لا يفيد في وضع اللغة الذم, وإنما يفيد مخالفة الأمر والمشورة فقط, وأن [؟ وأما أن] عصيان الأمر والرأي يستحق عليه العقاب أم لا؟ موقوف على دليله, ولذلك قالوا أشرت عليك فعصيتني, فيطلقون اسم العصيان في اللغة على مخالفة المشورة والرأي, وإن لم يكن المشير موجبًا ولا ملزمًا, فبطل ما قالوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>