والدليل على ذلك الرجوع إلى أهل اللغة وعلمنا بأنهم لا يعقلون من مطلق الأمر تكرار المأمور به، وإنما يعقلون ذلك بلفظ زائد على الإطلاق. يبين ذلك أن القائل إذا قال. أضرب زيدا وأشتر ثوباً واسقني ماء لم يعقل من ذلك إلا فعل مرة واحدة فقط. وإذا كان ذلك كذلك ثبت أنه ليس على تكرار.
ويدل على ذلك - أيضاً- إنه إذا أراد التكرار زاد في اللفظ وقرنه بما ينبئ عنه. فقال: اضربه أبداً، واشتر لي عبداً شراء دائماً وافعله سرمداً، ونحو ذلك.
وقد اتفق على أنه إذا قال مثل زاد في الفائدة على حكم الإطلاق، وعلى معني قوله أضرب، وكذلك لو قال: أضرب زيداً ضربتين أو عشراً لزاد في الفائدة على قوله أضرب زيداً. وإذا كان ذلك كذلك/ ص ١٧٩ ثبت أن معقول مطلقه فعل مرة واحدة، وما يدخل بفعل في استحقاق اسم ضارب.
فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكون دليلكم هذا موجباً لكون الأمر أمراً على الدوام لأجل أنه له قال افعله مرة واحدة لوجب أن يكون عندهم قد زاد على فائدة الإطلاق. ولو كان معقول الإطلاق فعل مرة واحدة لم يكن لقوله أضربه دفعة واحدة زيادة فائدة، وإذا لم يكن ذلك كذلك وجب التكرار.
ويقال لهم: في هذا جوابان:
أحدهما: إن ذلك يوجب أن يكون مطلق الأمر محتملاً لفعل مرة ومحتملاً للتكرار لجملة من الفعل.
والجواب الآخر: إن فائدة قوله أضربه مرة واحدة تأكيد لمعني قوله أضربه والدليل على ذلك ما قدمناه من أن معقول إطلاق الأمر بشراء العبد والثواب إذا قال اشتر لي عبداً لم يعقل منه دوام ذلك، فصار إتباعه بذكر المرة تأكيد لمعنى مطلقه.