فيجب أن يكون معقول الأمر به دوام فعله والإقدام عليه، لأن ذلك قياس. واللغة لا تقاس.
والوجه الآخر: إننا لسنا نعلم حصول هذا الاتفاق الذي ادعوه في النهي ووجوب استدامة الكف عن الفعل أبداً دائما، يجب أن نقول أن معقول ذلك الكف عنه مرة واحدة وقدر ما إذا وقع منه من الكف قيل قد أنتهي وامتثل، وفعل موجب النهي فهو إذا كالأمر سواء. ووجودنا في الشريعة أموراً قد وجب الكف عنها أبداً إنما صير إليه بغير مطلق النهي. وكذلك ما وجدناه من العبادات الواجب تكرارها. فإنما وجب ذلك فيها لدليل غير إطلاق الأمر فسقط بذلك ما قالوه.
ويدل على هذا حسن الاستفهام في ذلك وقول المكلف عند النهي له عن الفعل أتركه أبداً أو وقتاً واحداً أو أوقات محصورة وكيف كنت وتصرفت في الحال، ونحو هذا. ولو كان معقول مطلق الدوام لقبح الاستفهام./ ويدل على ذلك - أيضاً- أنه لو قال له إنه عن الفعل مرة واحدة لتقدر بذلك. وكذلك لو قال انته عنه مرتين لتقدر يهما. ولو قال أنته عنه أبداً للزم الكف عنه دائماً. فصار النهي في هذا على الوقف على ما كنا خبرنا به في أول الباب في حكم الأمر على أحد الجوابين، أو وجب على الجواب الثاني أن يقال: إن معقول الكف مرة واحدة، ولا معني (لقول من قال) بعد هذا إن القول بذلك خروج عن الإجماع، لأنه دعوي لا أصل له.
والجواب الآخر أن نقول: يجب الرجوع في ذلك إلى أهل اللغة. وقد قالوا عند أكثر الناس إن موضوع مطلق قول القائل لا تضرب زيداً ولا تدخل الدار، أي لا يكن منك هذا الفعل أبداً، فأي وقت فعلته فقد خالفت، وذلك شاهد لما قلناه لأنهم - أيضا- قد قالوا إن معقول قوله أضرب زيداً، وأدخل الدار، أي ليكن منك ما تسمي به مطيعاً ممتثلاً، وهو يستحق التسمية بذلك بفعل مرة