ويقال لسائر المعتزلة ومن وافقهم على أن كلام الله سبحانه وكلام خلقه ليس بشيء أكثر من الأصوات والصيغ التي منها صيغة الأمر والنهي. وأن الآمر بالشيء على طريق الإيجاب ناه عن ضده لا محالة فهو يقارنه.
خبرونا إذا قال القائل: قد أوجبت عليك القيام وحتمته أليس قد نهى عن ضده لا محالة؟ فلابد من الإقرار بذلك.
فيقال لهم: فما هو النهي عن ضده, ولم نسمع من الأمر سوى الأمر به أهو معنى في النفس أم نفس الأمر به؟
فإن قالوا: هو نفس الأمر به وافقوا. وإن قالوا هو معنى في النفس تركوا مذهبهم في حقيقة الكلام. وإن قالوا: هو معنى غير هذه الأصوات، وليس بمعنى في النفس لم يجدوا إلى ذكر شيء سبيلا. وإن قالوا: هو الكراهة لضد المأمور به أبطلوا باتفاق، لأن النهي قول والكراهة ليست بقول باتفاق. وهذا ما لا جواب لهم عنه.
وقد استدلوا على ذلك بأنه لو كان الأمر بالشيء نهيا عن ضده لكان له متعلقان: أحدهما مأمور به والآخر منهي عنه, ولوجب أن يتعلق بشيئين على جهة العكس. وهذا زعم باطل, لأن كل ماله تعلق من الصفات لا يصح أن يتعلق إلا بمتعلق واحد على وجه واحد. وهذا- أيضا- باطل, لأننا قد بينا في الكلام في أصول الديانات بطلان هذا الذي بنوا عليه. وأن صفات القديم سبحانه خاصة تتعلق بكل ما يصح أن تتعلق به صفاتنا. وبينا ذلك- أيضا- بأنهم قد نقضوا هذا بقولهم: إن القدرة الواحدة تكون قدرة على الشيء وعلى