والذي يدل على ذلك أننا قد نندب إلى صفة ما هو واجب في نفسه. ولذلك "ما" صح أن يكون من صفات الوضوء والصلاة، وغيرهما من الواجبات ما هو مسنون وما هو مفروض. وقد يندب إلى صفة ما هو ندب في نفسه. فلو قال: قد ندبتك إلى صلاة ركعتين وإلى إطالة القيام أو القراءة فيهما لكأننا وصفناهما مندوبين إليهما. فإذا ثبت ذلك لم يكن الندب إلى صفة الفعل بدال على أنه واجب في نفسه أو ندب، بل ذلك معلوم بغيره.
فأما إيجاب صفة الفعل وإن سقط فرضه فصحيح أيضاً بأن يقال: قد ندبك إلى الصلاة والصيام، وجعلنا لك ثوبا على فعلهما ولك تركهما وإذا أردت فعلهما ندبا فقد أوجبنا عليك النية والإحرام وترك الأكل والجماع. وإن لم ترد ذلك لم يجب عليك شيء من صفاتهما، فوجب بما وصفناه. أن لا يدل الندب إلى المبالغة في الاستنشاق وصفة السعي بين الصفا والمروة، وغير ذلك من صفات الأفعال على وجوب نفس المندوب إلى صفته.
فصل: ومتى علم من حال إيجاب الشيء أو إيجاب صفته أنه مقصود به إيجاب ما هو من جملته وصفته وجب القطع على وجوب نفس الفعل. فلهذا دل قوله تعالى:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} /ص ٢٦٠ على وجوب نفس الصلاة التي هما من جملتها. ودل قوله تعالى:{وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} على