النبي - صلى الله عليه وسلم- بأخذه ولو جعل للمكلف الامتناع مما يطالب النبي -صلى الله عليه وسلم- بتسليمه لكان تكليفًا صحيحًا، ولكن فيه - باتفاق - تنفير من طاعته? وتصغير من شأنه إذا شرع الخلاف عليه، والامتناع مما يطالب بفعله فامتنع ذلك في حقه وحق أمته? حراسة لمكانه وتعظيمًا كأنه.
وإلا فقد يصح مثل هذا التكليف في حكم غيره، وقد ردد الشرع به وجعل للزوج المطالبة لزوجته بالتمكين من الوطء والاستمتاع إذا قال قولًا لا يرى تحريمها عليه به، ولزمها هي الامتناع من ذلك إذا رأت أنه قول محرم لها. وأوجب على الشهود إقامة الشهادةً، وعلى المشهود له المطالبة بقبولها. وأوجب على الحاكم الامتناع من قبولها والحكم بها إذا لم يؤده الاجتهاد إلى وجوب سماعها والحكم بها، وكذلك فقد جعل لمن يرى أن له حقًا ومالًا على زيد أن يطالبه به، وأمر المطالب بالامتناع من الدفع إذا رأى أن ذلك لا يجب عليه، في أمثال هذا مما يكثر تتبعه. فثبت أن مثل هذا التكليف في النبي -عليه السلام- والأمةً غير محال لولا ما ذكرناه من التنفير عنه، وتقرير الشرع لوجوب دفع ما يلزم تسليمه.
ولا يجوز التعلق في إحالة ذلك بأنه بمثابة الإيجاب للفعل في حال الإباحة لضده، لأنه تشبيه باطل، لأن إباحة ضد الشيء لمن أوجب عليه نقض لمعنى إيجابه عليه لا شبهة فيه. ومحال كون الشيء واجبًا غير واجب، وليس إيجاب المطالبة بالأخذ للشيء لشخص والأمر للمطالب بالامتناع تناقض للإيجاب عليهما / ص (٢٦) ٤ ولا على أحدهما، لأنها أمران بفعلين غيرين في حق مكلفين فافترقت الحال في ذلك.