والذي يدل بدئا على تجويز ذلك في أوامرنا أننا إذا أمرنا غيرنا بإيقاع الفعل في المستقبل لم يخل من ثلاثة أحوال:
أن نكون عالمين بأنه يكون موجودًا سليمًا حيًا وقت إيقاع الفعل بما تقدم الأمر به.
أو عالمين بأنه لا يكون كذلك وقت الفعل.
أو شاكين في ذلك، غير عالمين بأنه يكون على هذه الصفة، ولا أن لا يكون عليها، بل مجوزين لكل واحد من الأمرين:
فإن كنا عالمين صح أمرنا لمن المعلوم ذلك من حاله وقطعنا عليه، ولن نقطع على ذلك ونعلمه إلا بخبر النبي وتوقيف عن الله سبحانه، ولكن لا بد مع ذك من أن يكون المأمور غير عالم ولا قاطع ببقائه وبناء صفاته التي معها يلزم التكليف، لأنه لو لم يكن كذلك لم يكن حينئذ للشرط معنى إذا اشترك في العلم بذاك الأمر والمأمور. وإذا انفرد الأمر بعلمه، وحرز المأمور ذلك صح تكليفه وامتحانه لتوطين النفس على فعل غيره مما يؤمر به، أو لتعجيل طاعته بالإجابة، والعزم على فعل ذلك إن بقي، وأجيز هذا من الوجوه.
وإن كنا عالمين بأنه لا يبقى، أو لا يبقى بصفة المكلف صح وجاز تكليفه بهذه الشرائط، لأنه لابد إذا كف ذلك من عزمه على الطاعة والانقياد أو عزمه على الخلاف والعصيان، وهو مستحق على أحد العزمين مدحًا وثوابًا وبفعله مطيع وبالآخر ذمًا وبقطه عاصٍ مخالف، فصح لك لذلك امتحانه بهذا التكليف إن علم