فأما ما يدل على أنه لا يحتاج في أمر المعدوم إلى حضور متحمل ومؤدي يواجهه بالخطاب، فهو بالاتفاق - أيضًا - على أن كانت وصيته والموصى إليه فيها معدوم إذ كان في وصيته، وأمر ونهى فيها. وإن لم يكن هناك خاص متحمل، وإذا كان ذلك صح ما قلناه.
ولأن الدلالة قد دلت على أن أمر الله ونهيه هو كلامه، وأنه أمر لنفسه، وأنه قديم من صفات ذاته غير محدث ولا مخلوق. وأنه لم يزل أمرًا به، ولا حاضر للخطاب مأمور بأدائه. فبطل ما قالوه.
فأما من قال من أصحابنا: إن كلام الله إنما يكون أمرًا وخبرًا عند وجود المخاطر المخاطب لأجل إفهامه الخطاب، وأنه ليس بأمر ونهي لنفسه، فلا يمنع من القول بأنه لا يكون أمرًا للمعدوم إلا عند حضور متحمل مخاطب موجود.
فأما تعلقهم في إحالة ذلك بأن الآمر المتكلم بالأمر وغيره، ولا أحد يواجهه ويسمع خطابه هاذي سفيه غير حكيم فإنه قول باطل، لأن هذا لو وجب لوجب فيمن يفعل الكلام ويصح منه تركه. فأما من يجب كونه متكلمًا في أزله، فذلك غير ثابت ولازم فيه. ولأن الكلام والأمر لو كان / ص ٢٨٧ هذيانًا للمتكلم إذا تكلم به من غير سامع له ولا مواجه به لوجب إذا هذى الطفل والمجنون والمبرسم بما يواجهونا به ونسمعه ونحصله أن نكون غير هاذين ولا سفهاء لأجل سماعنا له وحضورنا إياه، ومواجهتنا له، فلما لم يجب ذلك باتفاق بطل تحديد الهذيان من الأمر وغيره من أقسام الكلام بما قالوه، على أنهم لا يجدون كلامًا لأحد منا