قالوا: فأما إيجاب الدليل لذلك فإنه ظاهر، لأن النهي عنهما قد اقتضى قبحهما ودل على ذلك من حالهما، والنهي عن القبيح واجب، ومحال تخيير المكلف بين فعل متخير وإطلاق فعل أحدهما.
وقال فريق آخر ممن تكلم في هذا الباب: يجوز ألنهي عن شيئين على جهة التخيير. وأطلقوا - أيضًا - ذلك من غير تفصل.
والواجب عندنا في هذا الباب تفصيل ذلك وتنزيل فعل المكلف، وبيان ما يجوز النهي عنه والأمر به على وجه التخيير، وما لا يجوز ذلك فيه.
اعلموا أن سائر أفعال المكلف لا تخلو من ثلاثة أقسام: إما أن تكون متماثلة، أو مختلفة غير متماثلة ولا متضادة، أو مختلفة متضادة. وكذلك القول في كل موجودين كيف تصرفت حالهما.
فالمماثل من فعل المكلف وغيره كالكونين في المكان الواحد والصوتين المتفقين والإرادتين لمراد واحد، وما جرى مجرى ذلك. وهذا مما لا يصح الأمر للمكلف باثنين منه أو أكثر أو النهي له عن ذلك على جهة التخبير، وأن يقال له أفعل هذا بدلًا من هذا، أو اترك هذا إن شئت. وافعل هذا أو افعل هذا واترك ذاك، لأنه مما لا يتميز للمكلف ولا يعرفه على التفصيل وحاله هذه اللهم إلا أن يضطر إلى العلم بتفصيل ذلك. ولهذا لا يصح أن يقال له: صل ركعتين فرضًا للصبح، وأنت مخير بين أربعة منها، أو بين ما يصح أن تقدر عليه من ذلك. فافعل أيها شئت، لأنه مما لا يتميز فلا يصح لذلك أمره بالجمع بين اثنين منه لا يتميز ذلك له ولاستحالة اجتماع مثله في محل واحد في زمن واحد لما قد بيناه في الكلام في أصول الديانات، والنهي عن الجمع بينهما لهذه العلة.
وأما المختلف من أفعاله فنحو الكون في المكان، والكلام والإرادة والعلم