وأما دعواهم ودعوى من وافقهم بأن ذلك موجب اللغة، فإنها دعوى باطلة، لأن مثل هذا اللفظ مشترك بين كونه نهيًا عنهما جميعًا وبين كونه نهيًا عن أحدهما بغير عينه. وإنما حملنا قوله تعالى:{ولا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} على النهي عن طاعتهما للعلم بتقدم النهي والتحريم لإتباع الآثم والكفور لا بموجب الإطلاق. ولهذا صح أن يقول القائل: تصدق بدرهم أو دينار ويكون مخيرًا للمأمور بصدقة أيهما شاء. وصح - أيضًا - أن يقول تارة لا تصدق بدرهم للمأمور بصدقة أيهما شاء. وصح - أيضًا - أن يقول تارة لا تصدق بدرهم أو دينار، وهو يريد أن يصدق بأحدهما من غير تعيين. فجاز - أيضًا - على هذا أن يقول القائل: لا تطع زيدًا أو عمرًا، وهو يريد النهي عن طاعة كل واحد منها. وجاز أن يقول ذلك وهو يريد أن أطع أيهما شئت، واعص من شئت منهما على وجه التخيير. ولو فسر كلامه بذلك لصح، فوجب أن يصلح اللفظ للأمرين جميعًا.
فأما دعواهم أنه إذا نهي عنهما على وجه التخيير لم يخير في وجوب الكف عن كل واحد منهما إلا وهما في معلومه قبيحان مكروهان، ولون كان فيهما ما ليس كذلك لم يصح نهيه على وجه التخيير، ولا على غير ذلك. لأن النهي عن الحسن قبيح، وأنه قول باطل، لأننا قد بينا فيما سلف أنه لا قبيح في العقل، وفي معلوم الله تعالى قبل حكمه بوجوب الذم والانتقاض في فاعل القبيح بما يغني عن إعادته.
وأما تعلقهم في ذلك بأنه إذا نهي عنهما وجب أن يكون الكف عنهما مصلحة، ومحال منه إطلاق فعل أحدهما مع كونه مفسدة، فإنه تعلق باطل من وجهين: أحدهما/: ص ٢٩٨ إنه إذا لم يكن النهي عنهما على وجه التخيير وبلفظه نهيًا عنهما