وهذا أيضاً باطل من وجه آخر، وهو أن نفس إطلاق الوعيد، وإن كان خبرا لا يقتضي العموم والاستغراق، ولا يحتاج إلى استثناء وشرط فيه إن لم يضمره صار خبره كذباً، وإنما يجب ذلك لو ثبت عمومه.
فصل: وقد زعم قوم من أهل الوقف أنه إنما يجب الوقف في الوعيد دون الوعد لاستحسان الغفران بعد الوعيد، وأن أهل اللغة لا يعدون ذلك كذباً، وإنه يجب إمضاء الوعد على عمومه لقبح الخلف فيه واضطر استثناء فيه.
وهذا - أيضاً - باطل، لأنه قول يوجب إمضاء الوعد على عمومه، لأجل التعارف وقبح الخلف والاستثناء فيه، وحسن ذلك في الوعيد، وليس الفرق بينهما لشيء يرجع إلى صيغتهما، وليس القول بالعموم في الوعد واجباً من ناحية صورته ولا الوقف في الوعيد واجب من ناحية احتمال لفظه، لكن لاستحسان التجاوز والغفران، وهذا باطل، لأنهما محتملان للبعض والكل في أصل الوضع، فبطل هذا الاعتبار.
فصل: وزعم قوم ينسبون إلي القول بالوقف، وهم أولى بالنسبة إلي أصحاب العموم أن الأخبار إذا وردت ومخرجها عام وسمعها السامع، وكان الخبر الذي سمعه وعدا أو وعيداً ولم يسمع القرائن، ولا الأخبار المجمع عليها الواردة لتخصيص الجنس، فالواجب عليه أن يعلم علماً قطعاً أن الخبر عام في جميع أهل تلك الصفة، ومن شمله الاسم، وأن يجوز مع ذلك أن يكون الأمر عند الله عز وجل/ بخلاف ما علمه، وأن يكون له فيه استثناء قد أنزله وإن لم يعلمه. وذلك - زعموا نحو ما يجب على الإنسان من العلم