كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} وقوله تعالى:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} وأمثال هذا مما قاله إنه استثناء من غير الجنس, ويجب عندنا أن لا يقال في هذا الاستثناء وأمثاله إنه تخصص للكلام, لأن ما يتناوله الاستثناء ليس مما يقع عليه الاسم بحال, فكيف يكون تخصصًا له, والتخصص إخراج بعض ما يتناوله الاسم.
وقد زعم قوم من الناس أن قوله:{إِلَّا إِبْلِيسَ} إنما استثناه من جهة المعنى من حيث دخل مع الملائكة في الأمر بالسجود, وإنه كان من الجن.
وقال آخرون: بل إنما قال {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} على وجه التشبيه لفعله بفعل الجن لامتناعه من السجود وجميع التأويلين يجوزان من المتأول, ولا وجه لصرف الكلام عن الحقيقة إلى المجاز.
فأما قوله إلا خطأ, وإلا رب العالمين فلا شبهة في أنه استثناء لما لم يدخل تحت الاسم في حقيقة ولا مجاز, وإنما استحال أن يكون قوله إلا خطأ استثناء من الجنس, لأنه محال قول القائل إن المؤمن قتل المؤمن خطأ, وليس له ذلك, لأنه قول يوجب تصحيح الأمر والنهي مما وقع خطأ غير مقصود, وقد بينا أن ذلك مما لا يدخل تحت التكليف, وكون الله سبحانه عدوًا لأنبيائه وأوليائه باطل باتفاق, فثبت ما قلناه.
وكذلك حكم قوله تعالى:{لَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} لأن أكله بالتجارة ليس بأكل بالباطل, وكذلك قوله:{إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} فهو معنى قوله رب العالمين ليس بعدو لي, "ولكن كلوها بالتجارة".