للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلقى بكل بلاد إن حللت بها … أهلاً بأهل وأوطاناً بأوطان (١)

وإن كان يقول العامة: ليس بين بلد وبلد نسب، فخير البلاد ما حملك - فجعلت أستقري البلاد لأتيمم أوفقها للمقام، وأعونها على مقارعة الأيام، فكانت مصر مما وقع عليه إختياري، وصدقت حسن ظني قبل اختباري، وسرت قاصداً إليها أعتسف المجاهل والتنائف، وأخوض المهالك والمتالف، فطوراً أمتطي كل حالكة الإهاب (٢)، مسودة الجلباب، ثابتة كصبغة الشباب، قد فسح ميدانها، ووضع براحة الريح عنانها، فجرت جري الطرف الجموح، وفاتت مدى الطرف الطموح؛ وطوراً كل نقب الأياطل، كالهياطل (٣)، سبط المشافر جعد الأشعار، أحتذى العقيق، أو الصنو الشقيق، إن علاقات ظليم خاضب، وإن هوى قلت شهاب ثاقب، يصل الذميل بالوخاد (٤)، وبلتهم التهائم والنجاد. فكم جزع واد جزعته، وجلباب ليل أدرعته، وكم بر خرقت مخارمه وفجاجه، وبحر شققت غواربه وأمواجه، وليس لي غير مصر مقصد، ولا وراءها مذهب، ولا دونها للغنى متطلب.

وكم في الأرض من بلد ولكن … عليك لشقوتي وقع اختياري

فلما تغمّرت ركابي من النيل، واستذرت بظل المقطم، ألقيت عصا التسيار، واستقرت بي النوى، وخفت ظهورهن من الرحال، وأرحتهن من الحل والترحال، وقلت: ضالتي المنشودة، وبغيتي المقصودة، هاهنا ألبث وأقيم،


(١) البيت من أبيات في الحماسة (١: ٩٨). وقبله:
لا يمنعنك خفض العيش في دعة … نزوع نفس إلى أهل وأوطان
(٢) يعنى السفينة.
(٣) إنما نقبت أياطله من إدمان السير. والنقب، هنا: تنفط الجلد. والهياطل:
جمع هيطل، وهو الذئب؛ يشبه به الفرس في شدة العدو. وفي الأصل: «نقب الأياطيل كهياطيل».
(٤) المسموع في مصدر وخد هو الوخد والوخدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>