للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنشدني. فأنشدته فطرب وضحك وزاد نشاطه. ثم دخل رجل في زي الكتّاب له هيئة، فأجلسه إلى جانبي وقال له: أتعرف هذا؟ قال: لا. قال هذا أبو عبيدة علّامة أهل البصرة، أقدمناه لنستفيد من علمه! فدعا له الرجل وقرّظه لفعله هذا وقال لي: إنّى كنت إليك مشتاقا، وقد سألت عن مسألة أفتأذن لي أن أعرّفك إياها؟ فقلت: هات. قال: قال اللّه عزّ وجلّ: «طلعها كأنه رؤوس الشياطين (١)». وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله، وهذا لم يعرف. فقلت:

إنما كلم اللّه تعالى العرب على قدر كلامهم. أما سمعت قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفىّ مضاجعى … ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وهم لم يروا الغول قطّ، ولكنهم لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به.

فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل، وعزمت من ذلك اليوم أن أضع كتابا في القرآن في مثل هذا وأشباهه، وما يحتاج إليه معه علمه، فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابي الذي سمّيته المجاز، وسألت عن الرجل السائل فقيل لي: هو من كتّاب الوزير وجلسائه، وهو إبراهيم بن إسماعيل الكاتب.

[أبو عبيدة المؤلف]

وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى أحد أربعة من العلماء الأفذاذ، تعاصروا جميعا، وضربوا بسهم كبير في وفارة الإنتاج الفكري والتأليف.

فكان معاصرا للجاحظ (١٥٠ - ٢٥٥) الذي خرج من الدنيا عن زهاء ثلاثمائة وستين مؤلفا في ضروب شتى من العلوم.


(١) الآية ٦٥ من سورة الصافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>