للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسقته الخمر، ثم أمرت بقطع رواهشه، فجعل دمه يسيل في طست من ذهب، فلما رأى دمه قال: «لا يحزنك دمٌ أهراقه أهله!».

ومنهم:

[حسان بن تبع]

وكان أعسر أحول، وإنه خرج من اليمن سائراً حتى وطئ أرض العجم، وقال: لأبلغن من البلاد ما لم يبلغه أحد من التبابعة! فأوغل بهم في أرض خراسان، ثم مضى إلى المغرب فبلغ رومة (١) وخلف عليها ابن عم له، وأقبل إلى العراق حتى إذا صار إلى فرضة نعم (٢) بشاطئ الفرات قالت وجوه حمير: ما نفنى أعمارنا إلا مع هذا، يطوف في الأرض كلها، نغيب عن أولادنا وعيالنا وبلادنا وأموالنا؛ وما ندري ما يخلف عليهم بعدنا. فكلموا أخاه عمرا وقالوا: كلّم أخاك في الرجوع إلى بلده وملكه. فقالوا: هو أعسر من ذاك وأنكد. فقالوا:

فاقتله وتملك علينا فأنت أحق بالملك من أخيك، وأنت أعقل وأحسن نظراً لقومك! فقال: أخاف ألا تفعلوا، وأكون قد قتلت أخي وخرج الملك عن يدي. فواثقوه حتى ثلج إلى قولهم (٣)، واجتمع الرؤساء كلهم معه على قتل أخيه إلّا ذا رعين. فإنه خالفهم وقال: ليس هذا برأي، يذهب الملك من حمير! فشجعه الباقون على قتل أخيه، فقال ذو رعين: إن قتلته باد (٤) ملكك. فلما رأى


(١) في الأغانى: «رومية».
(٢) في النسختين: «تغم»، تحريف، صوابه عند ابن الأثير ١: ٢٤٦. وقال ياقوت:
«بشط الفرات. قال ابن الكلبي: سميت بأم ولد لتبع ذي معاهر، وهو حسان بن تبع أسعد أبى كرب الحميري. يقال لها نعم، وكان أنزلها على الفرضة وبنى لها بها قصرا، فسميت بها».
(٣) أي اطمأن إليه وسكن.
(٤) جعلها الشنقيطي «بار».

<<  <  ج: ص:  >  >>