للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسوة الصيف على ما ذكرنا فإذا كان يوم النيروز لبس خفيف الثياب ورقيقها، وأمر بكسوة الشتاء كلها ففرقت. ولا نعلم أن أحدا بعدهم اقتفى آثارهم إلا عبد اللّه ابن طاهر، فإني سمعت من محمد بن الحسن بن مصعب يذكر أنه كان يفعل ذلك في النيروز والمهرجان، حتى لا يترك في خزائنه ثوبا واحدا».

وقد سجل الشعر العربي اهتمام القوم بالنيروز والمهرجان، حتى لقد ذهبوا إلى المفاضلة بينهما. قال عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر في ذلك (١):

أخا الفرس إن الفرس تعلم إنه … لأطيب من نيروزها مهرجانها

لإدبار أيام يغم هواؤها … وإقبال أيام يسر زمانها

وقال آخر:

أحب المهرجان لأن فيه … سرورا للملوك ذوى السناء

وبابا للمصير إلى أوان … تفتح فيه أبواب السماء

جباية الخراج في النيروز:

ولم يزل الناس على سنن الفرس في جباية الخراج عند دخول النيروز حتى دخل عليهم الخلل في دور السنين، فحاولوا أن يؤخروه، وذلك في زمن هشام بن عبد الملك، وبذلوا لخالد بن عبد اللّه القسري مائة ألف دينار على ذلك، فكتب فيه إلى هشام، فكتب إليه هشام: «أخاف أن يكون هذا من النسئ الذي قال اللّه تعالى فيه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ. فامتنع خالد من ذلك. ثم سئل يحيى بن خالد بن برمك في أيام الرشيد أن يؤخر النيروز إلى شهرين، فعزم على ذلك فبلغه أن قوما قالوا: أراد أن ينصر المجوسية. فامتنع من ذلك إلى أن رأى المتوكل وقد ركب للصيد يوم النيروز والزرع لم يسبل بعد وقال: «قد استؤذنت في فتح الخراج والزرع لم يسبل بعد؟!» فعرفه إبراهيم بن العباس الصولي أن الأكاسرة كانت تسقط في كل عشرين ومائة سنة شهرا، فأمر المتوكل الحسّاب أن يحسبوا ما طرحوه، فحسبوا الذي مضى من السنين التي لم يكبس فيها بعد ذهاب الفرس


(١) نهاية الأرب ١: ١٨٨ ثم ١٧٧ وصبح الأعشى ٢: ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>