ويمتاز هذا الميل في أسبانيا بحرصه على أن ينسجم مع العقيدة الإسلامية، على حين نجد شعوبية المشرق على النقيض من ذلك، إذ نرى ممثلى الشعوبية فيه من الملاحدة والزنادقة في أكثر الأمر.
ومن أقطاب شعوبية الأندلس محمد بن سليمان المعافري، وكان شديد العصبية للمولدين. ومنهم أبو محمد عبد اللّه بن الحسن المتوفى سنة ٣٣٥ وكان معروفا بشدة تعصبه للعجم، ومحاولته الغض من شأن العرب.
ويبدو أنه لم يتح للنزعة الشعوبية الأندلسية أن تستعلن في إنتاج أدبى إلا بعد أن انقسمت الدولة إلى دويلات صغيرة تناهب الحكم فيها صقالبة ومولدون، فتسمع حينئذ من أبى عامر بن غرسية صوتا شعوبيا قويا يحاول إثبات فضل العجم على العرب.
ثم ساق «جولدتسيهر» ترجمة استنتاجية لابن غرسية لم يحالفه الصواب في بعض زواياها، فهو يظن أنه كان في خدمة المعتصم بن صمادح. على حين تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان في خدمة مجاهد ملك دانية، وأنه كان يريد تعفير صديقه أبى عبد اللّه من خدمة ابن صمادح، ويحثه على ترك خدمته. وبنى «جولدتسيهر» على هذا الظن ظنا آخر، أن ابن غرسية عاش زمانا في المرية حيث المعتصم بن صمادح. وهو افتراض لا يصح.
ثم يعلل جولدتسيهر النشاط الشعوبى لابن غرسية بأنه كان يعيش في صقع ضعف فيه النفوذ العربي وتغلب عنصر الصقالبة، ويقول:«وما كان لعامل من العمال الرسميين في مجتمع تنحصر مقاليد السلطان به في أيد عربية أن يحدث نفسه بإثارة مثل هذا الهجوم الجرئ على العرب ثم يترك وشأنه دون عقاب أو قصاص».
[تحليل الرسالة]
لم يأت ابن غرسية بجديد من وجهة النظر الموضوعية، ويبدو أنه أطلع على كتابات الشعوبية بالمشرقية واستقى منها أهم الحقائق ولم يبتدع هو إلا الملابسات والدواعي الخاصة. وكان جدل الشعوبية بالمشرق من جهة الأسلوب أبعد عن