هذه الرسالة القيّمة الطريفة في موضوعها - وهو موضوع حيوى اجتماعي فيه الإفصاح عن كثير من غوامض الحياة الاجتماعية في الصدر الأول من الإسلام - صنعها راوية جليل من رواة الأخبار، يعدّ في الصدر من رجالات التأليف في العصر العباسي، هو أبو الحسن المدائني علي بن محمد بن عبد اللّه بن أبي سيف.
وأبو الحسن هذا بصرى سكن المدائن، ثم انتقل عنها إلى بغداد فلم يزل بها حتى وافاه الأجل. وكان مولى لعبد الرحمن بن سمرة القرشي، وهذا يكشف لنا القناع عن سرّ تأليفه لهذه الرسالة يتناول فيها أخبار النساء المردفات من قريش.
وكان أبو الحسن ميّالا إلى التأليف في أخبار العرب وأنسابهم وأيامهم، عالما بالفتوح والمغازي، وكان لما أنعم اللّه به عليه من عمر مديد جاوز التسعين، أثر عظيم في ضخامة مكتبته التي أخرجها للناس، وتناولها ابن النديم في الفهرست بالسرد، فأربت على (مائتين وأربعين مصنفا) يلمح القارئ في عنواناتها جلال علم هذا الرجل، واتساع معارفه، وتبحّره في فنون التأليف والرواية.
ولد أبو الحسن سنة ١٣٥ وترعرع في كنف مولاه عبد الرحمن بن سمرة القرشي، وعندما انتقل إلى بغداد وصل حبله بإسحاق بن إبراهيم الموصلي فكان لا يفارق منزله. ومما هو جدير بالذكر أن أبا الحسن أغمض إغماضته الأخيرة في منزل صاحبه إسحاق الموصلي في سنة ٢٢٥، وكان إسحاق يبر أبا الحسن برّا ظاهرا، ويروى أن يحيى بن معين سأله مرة وقد جاز عليه وهو على حمار فاره:
إلى أين يا أبا الحسن؟ فقال: إلى هذا الكريم الذي يملأ كمي من أعلاه إلى أسفله دنانير ودراهم. يعنى إسحاق الموصلي.
هذه المكتبة المدائنية التي ابتلعتها أحداث التاريخ فيما طوت من كنوز