الثقافة العربية، يقف الباحث من بعدها موقف الحسرة والأسى، وهو إنما يستروح بشئ من العزاء حينما يلمح بعض هذه الآثار في مقتبسات المؤلفين الذين رووا من تلك الكتب أطرافا، وفي طليعتهم أبو الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغانى. واليوم نظفر بعزاء جديد حين ننشر على هذا الملأ من المتأدبين والعلماء قطرة من نبع آثار المدائني، هي تلك الرسالة التي تزدان بها المكتبة التيمورية التي حفظ فيها المغفور له العلّامة أحمد تيمور باشا كثيرا من نفائس الإنتاج العربي، وهي في صحبة مجموعة تشتمل على ١١ رسالة رقمها ٨٠ مجاميع، وعليها خط المغفور له الشيخ طاهر الجزائري. وقد جعل عنوان هذه الرسالة:«رسالة المتزوجات من قريش».
وهذا العنوان موضع نظر، فإن «المتزوجات» من قريش لا يحصيهنّ العدّ، وليس يخطر ببال مصنّف أن يضع في ذلك كتابا، فإن الزواج أمر عام جدّا ليس له طايع من الغرابة يسترعى النظر والاهتمام، فهذه الكلمة محرفة لا ريب.
وحين ننظر إلى موضوع الكتاب نجد أنه يتناول النساء القرشيات اللاتي أردفن زوجا بعد زوج ولم يكتفين بزوج واحد، لظروف متباينة ساقتهن إلى ذلك أو ساقت ذلك إليهن.
ثم نعود بعد ذلك إلى ثبت كتب المدائني فنجد بين كتب مناكح الأشراف وأخبار النساء كتاب «المردفات من قريش»، فكلمة «المردفات» التي يراد بها اللائي أردفن زوجا بعد زوج، هي الكلمة التي تصحح كلمة «المتزوجات» وهي الكلمة التي تنطبق على موضوع الكتاب أتمّ الانطباق.
وتبدأ سلسلة رواية هذه النسخة بأبى الحسن علي بن محمد بن عبيد الكوفي صاحب ثعلب المولود سنة ٢٥٤ والمتوفى سنة ٣٤٨، وتنتهى بتلميذ المدائني وراويته أحمد بن الحارث بن المبارك الخزاز المتوفى سنة ٢٥٧. وهذه هي الرسالة: