إليهم لبدءوا بعلي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وبأبي بكر وعمر في زمانهم وبغيلان والحسن في دهرهما، وبواصل وعمرو في أيامهما.
[عبقرية واصل]
ويبدو أن واصلا كان على جانب عبقري من الذكاء وجرأة العقل والقلب.
يقول المبرد (١): «وحدثت أن واصل بن عطاء أبا حذيفة أقبل في رفقة فأحسوا الخوارج، فقال واصل لأهل الرفقة: إن هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم. وكانوا قد أشرفوا على العطب، فقالوا: شأنك. فخرج إليهم فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله وليعرفوا حدوده.
فقالوا: قد أجرناكم. قال: فعلمونا. فجعلوا يعلمونه أحكامهم وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي. قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا. قال: ليس ذلك لكم. قال اللّه تبارك وتعالى: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه»؛ فأبلغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذاك لكم. فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن.
وهذا الخبر على به من أثر الصنعة يطوي وراءه اعترافاً بعبقرية هذا الرجل وزعامته الفطرية. على أن شيئاً مما ذكر ليس يعنينا لذاته، وإنما ليلقي ضوءاً على حياة هذا الرجل الذي هو رأس من رؤوس المعتزلة الذين قامت دعوتهم على المناظرة والمجادلة الملحة، والتي اعتمدت في أكثر ما تعتمد على الخطابة وعلى البيان، وعلى الجرأة في مواقف المخاصمة والمنازعة.
[لثغة واصل]
ولكل حسناء ذامها، فهذا الخطيب واصل، مع ما رزقه الله من بيان وحسن تصريف للقول، كان صاحب عاهة منطقية عرف بها وذاعت بين الناس،
(١) الكامل ٥٢٨ ليبسك. وقد روى هذا الخبر موجزا ابن قتيبة في عيون الأخبار ١: ١٩٦.