للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حادث خطبة واصل]

كان ذلك حفلاً جامعاً حشد له أقدر الخطباء وأبرعهم براعة، وكان ذلك بالعراق، إذ اجتمع علية القوم والناس ليشهدوا حفلا عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز (١) وإلى العراق، تبارى فيه هؤلاء الخطباء، وهم خالد بن صفوان، وشبيب بن شيبة، والفضل بن عيسى، وواصل بن عطاء، وتناوبوا القول على المنبر على هذا النظام، فانتزع خالد وشبيب والفضل قبله إعجاب القوم انتزاعا، فهم كانوا سادة الخطباء في ذلك الزمان، وهم كانوا قد أعدّوا خطبهم من قبل وحبَّروها ونمقوها، وما إن فرغ الثلاثة حتى نهض واصل يهدِر، وبداهته تغلى، بخطبة ارتجلها ارتجالا، واقتضبها اقتضابا، وأطال فيها إطالة (٢)، وحرص كل الحرص على أن ينزع الراء منها، ففاق إعجابُ الناس والوالي بواصل بن عطاء إعجابهم بالثلاثة قبله، وأظهر الوالي الصّلات، فأجزل صلات الثلاثة قبله، ثم ضاعف لواصل الصلة تقديراً لعبقريته الخطابية النادرة.

وقد سجّل شاعران معاصران لواصل هذا الحادث تسجيلا صادقا، أحدهما بشار، يقول في كلمة له:


(١) عبد اللّه هذا هو صاحب نهر ابن عمر، حفره بالبصرة. انظر معجم البلدان. وكان واليا ليزيد بن الوليد بن عبد الملك على العراق، ولاه إياها بعد عزل منصور بن جمهور، وذلك سنة ١٢٦. وقد ظل في ولايته على العراق في فترة مملوءة بالفتن والأحداث حتى قبض عليه يزيد بن عمر بن هبيرة، من قبل مروان بن محمد آخر الأمويين، وذلك في سنة ١٢٩. وكانت وفاته في سنة ١٣٢ كما في النجوم الزاهرة. وأما يزيد بن الوليد هذا فهو الذي كان يقال له «يزيد الناقص» لنقصه أعطية الجند، وهو الذي ثار على ابن عمه الوليد بن يزيد بن عبد الملك الخليفة الماجن، ودغا إلى خلعه، فاستجابت له اليمن وبايعوه، وقتلوا الوليد، وذلك في جمادى الآخرة من سنة ١٢٦ وتوفى يزيد في السنة نفسها في ذي الحجة. تاريخ الطبري حوادث ١٢٦ - ١٢٩ ويذكر الطبري في تاريخه ٩: ٤٦ والمسعودي في مروج الذهب ٣: ٢٣٤ أن يزيد بن الوليد كان يذهب إلى قول المعتزلة.
(٢) قال الجاحظ: لأنه كان مع ارتجاله الخطبة التي نزع منها الراء كانت مع ذلك أطول من خطبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>