ثم إن الأغراض التي يقتنى لها العبيد والإماء مختلفة جدا، وهذه الأغراض لا تتحقق جميعها في جنس واحد من أجناس العبيد، فالخدمة والطهى، والقيام على الخزائن والحراسة والقتال، وطلب الولد والإرضاع، والغناء والعزف، والاستمتاع والجمال، كلها أغراض يتحقق بعضها ممتازا في بعض الأجناس ولا يكون في الأخرى.
ثم إن للعوامل النفسية كالرغبة العاجلة في الشراء، وهي رغبة تتجاوز عن كثير من السيئات، والعوامل الاقتصادية كوفرة الرقيق في المواسم واغتنام تلك الفرصة لاستعمال طرق الغش والخداع، والعوامل الشخصية كأن يدس بين الرقيق من يتخذ من الأعداء عينا على سيده المنتظر فيفسد عليه أمره فيما بعد، وكذلك ما للعبد من ماض طيب أو سيئ، أن لكل أولئك وأمثالها آثارا شتى يجدر بالمشترى أن ينظر فيها طويلا وأن يحزم أمره بالتريث.
وهناك أخطاء كان يقع فيها السادة فيجنون مغباتها، هي الأخطاء الصحية والنفسية التي لا يتبينها إلا طبيب حاذق، عالم بالطب وعالم بالفراسة التي تتأدى من النظر في الظاهر إلى معرفة الباطن: الباطن البدني والباطن النفسي أيضا، فقد يشترى عبدا معلول الجسم أو معلول النفس وظاهره لمن لا يعرف بارع خداع.
كل أولئك حفز صاحبنا المتطبب «ابن بطلان» أن يضع كتابه هذا في ذلك الموضوع الخطير في تلك العهود التي كان الرقيق فيها جمعا هائلا له حسابه وله ميزانه.
[مواد الكتاب]
وأقصد بذلك المنابع التي استقى منها ابن بطلان معارفه في هذا الكتاب.
وهو قد صرح في أول كتابه أنه اعتمد على رسائل معلم الإسكندر وغيره من العلماء والفلاسفة. وقد ظهر لي في أثناء التحقيق أنه اعتمد في باب الفراسة اعتمادا كليا على ما ورد في كتاب «جمل أحكام الفراسة» لأبى بكر محمد بن زكريا الرازي المتوفى سنة ٣١١ يظهر ذلك من المطابقة التامة في الألفاظ وفي نظام التأليف.