هذه المكتبة العربية التي كانت منار الثقافة الإنسانية دهرا طويلا، ولا تزال تشعّ من نورها وضيائها على جنبات الدنيا، وتتغلغل تغلغلا عميقا في زوايا الحضارات على شتى أصولها. هذه المكتبة لم تلق بعد ما تستوجب من عناية، ولا ما تستحق من خدمة واجبة. وكنت وما أزال أتحدث بجهد إخواننا في العلم المستشرقين، لذين بادروا إلى إنقاذ الكنز، فكان لهم بذلك فضل التنبيه.
وكان مما صنع اللّه لهذه الكنوز أن قيّض لإثارتها، ونفض غبارها، طائفة ممن نصبوا أنفسهم لهذا العمل المجهد الشاق، يبغون بذلك الإسهام في نشر العلم، وفي بيان أمجاد الغابرين من الأجداد، وتوطيد الصلة بين علمهم الأصيل ومعارفنا المستحدثة. وأذكر في طليعة هؤلاء الناشرين الرجل العبقري المرحوم «السيد محمد أمين الخانجي»، الذي أمد المكتبة العربية بعدد هائل من المطبوعات العربية التي لو لم تمتد يده إليها لبقيت إلى الآن مطمورة في النسيان. وأذكر معه العلامة المحقق الجليل المغفور له «أحمد زكى باشا»، وهو أول عربى أشاع أساليب النشر الحديثة، ونظم الطبع الجديدة، في كتبنا هذه العربية؛ فلهما من اللّه الرحمة والجزاء لقاء ما قدما من فضل عظيم.
وإنه لمما يثلج الصدر أن تتجه جامعاتنا المصرية اتجاها جديدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة، إذ توجههم إلى أن يتقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمت بالصلة إلى موضوع الرسالة. وعسى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه هذا الأمر ضريبة علمية لا بدّ من أدائها.
وكان مما صنع لي اللّه أن ألفيت نفسي في أطراف ميدان النشر العلمي أكافح فيه والسلاح ضعيف، فما أزال أجمع سلاحا إلى سلاح، وأقتحم الصعاب إثر