للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من حزيران يوافى … أبدا في أحد عشر (١)

النيروز في مصر:

كان المصريون القدماء يبدءون سنتهم (الفلكية) بالاعتدال الربيعي، أي وقت حلول الشمس في برج الحمل، وذلك في يوم ٢٩ برمهات ٢٥ آذار (مارس) وكانوا يعتقدون أن بدء الخليقة كان في ذلك اليوم، وكانوا يحتفلون فيه احتفالا عظيما، وهذا العيد هو الذي عرف فيما بعد، بعيد شم النسيم.

ولما ظهر الحكيم المصري «توت» وجعل رأس سنتهم (المدنية) موافقا لظهور الشعرى اليمانية مع الشمس، وهو الوقت الذي يبتدئ فيه فيضان النيل، وهو اليوم الأول من شهر «توت»، رأوا تخليدا لمأثرة هذا العالم الجليل أن يجعلوا رأس هذه السنة المدنية، عيدا لهم لا يقل في جلالته وروعته عن عيد رأس السنة الفلكية، كما قرروا اعترافا بصنيع هذا الرجل أن يطلقوا اسمه على أول شهر من شهور هذه السنة، وهو شهر توت. وقد سمى المصريون هذا العيد «عيد النيروز»، ولم تظهر هذه التسمية إلا بعد دخول العرب مصر. وكان الخلفاء ولا سيما الفواطم يحتفلون فيه احتفالا كبيرا.

وكلا الاحتفالين لم يكن له صبغة دينية في بادئ الأمر، بل كانوا يرون في «شم النسيم» أنه رأس السنة الفلكية التي سار المصريون على نظامها في أول الأمر، وفي الثاني رأس السنة المدنية، وفاتحة باب الخير على المصريين، بما يفيض عليهم به النيل من خيرات وثمار. وبعد أن دخل المصريون في دين النصرانية رأوا ألا يهملوا عيدهم الأول، وأن يكون الاحتفال به عاما لا يقل في روعته عن العيد الآخر (٢).

قال المقريزي (٣)، عند الكلام على أعياد الفاطميين.


(١) الآثار الباقية ٣٣، وعشر. تقرأ بسكون العين ليستقيم الوزن، وهي لغة صحيحة.
قال ابن السكيت: ومن العرب من يسكن العين فيقول أحد عشر، وكذلك يسكنها إلى تسعة عشر، إلا اثنى عشر فإن العين لا تسكن لسكون الألف والياء قبلها. وقال الأخفش: إنما سكنوا العين لما طال الاسم وكثرت حركاته. اللسان (عشر ٢٤٤).
(٢) انظر كتاب أساس التقاويم للأستاذ جرجس فيلوثاؤس.
(٣) خطط المقريزي ٢: ٣٨٩ - ٣٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>