للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين يريد أن يقول «أعوذ بالله القوي من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم» يقول: «أعوذ بالله القوى، من الشيطان الغويّ، بسم الله الفتاح المنان». وإذا أراد أن يتلوَ سورة كاملة من الكتاب قرأ سورة الإخلاص لخلوّها جميعها من الراء.

وحين يريد أن يقتبس من القرآن الكريم: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما» يقول: «لا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يئوده حفظ ما خلق». وإذا أراد أن يقول: «لا يعزب عنه مثقال ذرة» قال: «مثقال حبة»، وإذا أحب أن يقتبس من قوله تعالى: «أصبحوا لا تَرَى إلا مساكنهم (١)» قال: «أصبحوا لا نعاين إلا مساكنهم». وإذا طلب أن يقول: «فبلغ رسالته» قال: «فبلغ مألَكته» .... إلى كثير من أشباه هذا.

والخطبة كذلك تقدم لنا نموذجا من خطب القرن الثاني الهجري، من الخطب التي تجنّبت السياسة والدعوة السياسية، وتجنّبت فتن المذاهب والدعوة المذهبية، فهي نموذج لخطب الوعظ الخالص (٢). ابتدأها بحمد الله والثناء عليه (٣)، ثم ثّنى بالشهادتين في إسهاب طيّب، وعقّب على ذلك بالصلاة على الرسول الكريم مثنياً عليه، ثم حثَّ على التقوى والطاعة، ومال بعد ذلك إلى التحذير من مفاتن الدنيا والتهوين من شأن من أطاعتهم الدنيا وأغدقت عليهم ثم صاروا من بعدُ هاماً وأحاديث. ثم دعا لنفسه والناس أن يكونوا ممن ينتفع بالموعظة الحسنة، ثم نوّة بفضل القرآن وتلا ما تيسَّر له منه، بعد أن أجرى الاستعاذة والبسملة أيضاً على أسلوبه الذي يجانب الراء.


(١) هذه إحدى القراءات في الآية، وهي الخامسة والعشرون من سورة الأحقاف. انظر كتب القراءات والتفسير فيها.
(٢) كان واصل كما يروون على جانب من الزهد والتقوى، روى له الجاحظ في البيان ٣: ١٩٦ قوله: «المؤمن إذا جاع صبر، وإذا شبع شكر». وروى صاحب الأغانى ٣: ٤٠: «كان واصل بن عطاء يقول: إن من أخدع حبائل الشيطان وأغواها، لحبائل هذا الأعمى الملحد»، يعنى بشارا وما كان يقول من غزل ومجون فاجر.
(٣) كان هذا أمرا محتما في كل خطبهم في ذاك العصر، وكانوا يعدون الخطبة الخالية من هذا أمرا شنيعا، حتى لقد سموا خطبة زياد التي لم يلتزم فيها ذلك خطبة بتراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>