للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وساح، وعم الغيطان والبطاح (١)، وانضم الناس إلى أعلى مساكنهم من الضياع والمنازل، وهي على آكام وربى لا ينتهي إليها الماء، ولا يتسلط السيل عليها، فتعود عند ذلك أرض مصر بأسرها بحراً غامراً لما بين جبليها المكتنفين لها.

وتثبت على هذه الحال ريثما يبلغ الحد المحدود، في مشيئة الرب المعبود. وأكثر ذلك يحوم حول ثمانية عشر ذراعاً، ثم يأخذ عائداً في منصبه، إلى مجرى النيل [ومسربه، فينضب أولاً عما كان (٢)] من الأرض مشرفا عاليا، وبصير فيما كان منها متطامناً (٣)، فيترك كل قرارة كالدرهم، ويغادر كل تلعة كالبرد المسهم. وفي هذا الوقت من السنة تكون أرض مصر أحسن شيء منظراً، ولا سيما متنزهاتها المشهورة، ودياراتها المطروقة، كالجزيرة، وبركة الحبش (٤) وما جرى مجراها من المواضع التي يطرقها أهل الخلاعة، وينتابها ذو والأدب والطرب.

واتفق أن خرجنا في مثل هذا الزمان إلى بركة الحبش، فافترشنا من زهرها أحسن بساط، واستظللنا من دوحها بأوفى رواق، وطلعت علينا من زجاجات الأقداح شموس في خلع البدور، ونجوم (٥) بالصفاء تنور، إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء، ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء، فقال في ذلك بعضنا (٦)


(١) في الخطط: «وغمر القيعان والبطاح».
(٢) مكان هذه التكملة التي أثبتها من الخطط بياض في الأصل.
(٣) بدل هذه الجملة في الأصل « … متحفظ … نسطاميا»، وإكماله وصوابه من الخطط.
(٤) كانت في ظاهر مدينة الفسطاط من قبليها فيما بين النيل والجبل. وسميت بركة الحبش نسبة إلى قتادة بن قيس بن حبشي الصدفي، ممن شهد فتح مصر، وكانت له حدائق بجوار هذه البركة تعرف بالحبش فنسبت البركة إليها. وهذه البركة موقعها اليوم منطقة الأراضي الزراعية التابعة لزمام قرية دير الطين، وجزء عظيم من الأراضي الزراعية التابعة لقرية البساتين. انظر الخطط (٢: ١٥٢) والنجوم الزاهرة (٥: ١٤).
(٥) في الأصل: «وجوم».
(٦) يعنى نفسه. وجاء في الخطط (٢: ١٥٥): «وقال ابن سعيد في كتاب المغرب:
«وخرجت مرة حيث بركة الحبش التي يقول فيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي عفا اللّه عنه». وأنشد الأبيات التالية. وجاء في (٢: ١٦٠): «بئر أبى سلامة وتعرف ببئر الغنم، وهي من قبلي النوبية، وموضعها أحسن موضع في البركة، وهي التي عنى أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بقوله». وأنشد الأبيات، ورواها ياقوت في ترجمة أمية منسوبة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>